الرئيسة \  قطوف وتأملات  \  بقية حكاية ابن الأزرق مع ابن عباس ونهي القرآن عن كثرة السؤال، ومن الصور الشرعية والعملية للتنطع في ا

بقية حكاية ابن الأزرق مع ابن عباس ونهي القرآن عن كثرة السؤال، ومن الصور الشرعية والعملية للتنطع في ا

17.06.2020
زهير سالم





بقية حكاية ابن الأزرق مع ابن عباس
ونهي القرآن عن كثرة السؤال، ومن الصور الشرعية والعملية للتنطع في السؤال

ختمت ما كتبت عن أسئلة ابن الأزرق بقولي : وللقصة بقية . واستحثني بعض الأحباب أن أعود ، فها أنا أفعل . وأشكل على بعض أهل الفضل حديثي عن تنطع السائلين في السؤال فها أنا أضرب لما أردت الأمثال ..
واستنشد سيدنا عبد الله بن عباس عمر بن أبي ربيعة ، فأنشده قصيدته أمن آل نعم ، وهي نحو من تسعين بيتا ، ولعل إنشادها يقتضي أكثر من ساعة من الزمان.. والخارجي المتنطع نافع بن الأزرق - نافع وليس كما أخطأت فذكرت في القسم الأول أنه نجدة وإنما نجدة صاحبه - جالس يسمع أو يستمع ويتحرق ..حتى طفح به الكيل فقال :
اتق الله يا ابن عباس ، نضرب إليكم آباط الإبل من العراق إلى الحجاز ، نسألكم عن الحلال والحرام ، ثم يأتيك فتى من قريش ينشدك :
رأت رجلا إما إذا الشمس عارضت ... فيضحى وأما بالعشي فيخسر
فتتركنا وتنصرف إليه ..
فقال ابن عباس : ما هكذا قال ، فقال نافع فكيف قال ؟
فقال ابن عباس : قال
رأت رجلا أما إذا الشمس عارضت فيضحى وأما بالعشي فيخصر
قال ابن الأزرق: أو تحفظها قال: من أولها لآخرها ، ثم يمعن في التشاغل عن سفاسف ابن الأزرق التي يظنها صاحبها جهلا منه من مسائل الحلال والحرام ، فيلقي عليه القصيدة مرة أخرى . ليتشاغل عن سفاسفه وتعنتاته وتعنتات أصحابه . وودت لو أنني أسوق لكم بعضا من تلك القصيدة الجميلة ، لتعلموا بأي الشعرا كان يتشاغل ابن عباس رضي الله عنه .
نصيحتي للسادة المفتين انطلقت من موقف قرآني شرعي : ( لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ..)
يقول بعض المفسرين الفقهاء : إن حكم الآية ما يزال قائما .. ويضيف آخرون : وكان بعض المنافقين يسألون رسول الله استهزاء أو تعجيزا ، وما يزال أهل الريبة يفعلون .
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائم التوجيه لأصحابه دعوني ما تركتكم .
ويذكر الفقهاء والمفسرون من أسئلة كثيري الغلبة ، سؤال الأقرع بن حابس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيها الناس فرض عليكم الحج فحجوا ، فيسأل الأقرع أكل عام يا رسول الله ..؟ يكررها ثلاثا ، فيرد عليه رسول الله زاجرا : لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم . أليس هذا من التعنت في السؤال ؟!
ومن صور التنطع وليس التدين ما حكاه القرآن الكريم عن بني إسرائيل وقد أمرهم الله بذبح بقرة ، فظلوا يتساءلون عن الماهية وعن اللون ثم عن الماهية ..لم يكن سؤالهم تدينا ولا حرصا وإنما كان تعنتا واستكبارا واستهزاء ..
الأسئلة التي لا تستحق جوابا ، قد تصدر عن مستهزئ أو مستكبر ، فيجب أن يواجه بالإعراض الذي يستحق ، وقد تصدر عن ساذج بسيط يجب أن يلفت نظره إلى ما ينبغي أن يشغل عقل المسلم وقلبه..
ومن جميل حكايات قاضي دمشق الشرعي الأول ، أنه سئل وهو على الفضاء أن الشيخ " فلانا " قد أفتى أنه لا يجوز للمرأة أن تلبس البنطلون أمام زوجها !! فرد الشيخ على المفتي وليس على المستفتي بما نحفظ جميعا ..!!
وسأل أحدهم الشيخ : هل يجوز الجلوس على الكرسي الذي قامت عنه المرأة لتوها في الباص ؟! لفت نظره إلى ما يليق بالمسلم أولى من الجواب !!
ويوما جلس على فضائية لبنانية معمم يسأله مقدم برنامج خبيث عن أمور تقطع لحم الوجه خجلا ، ومقدم البرنامج يستمتع بعرض الصور التفصيلية ، والشيخ المعمم المبجل يقول : باسم الشريعة الإسلامية : يجوز ..يجوز ..!!
ولو أردنا أن نعرض صورا للأسئلة عن ماهيتها ولونها وعن دم البراغيث وخيالات الممسوسين لعرضنا الكثير ..
أيها الناس ...
 لقد روى الطبراني والدارقطني وغيرهما عن أبي ثعلبة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" إن الله عز وجل فرض فرائض فلا تضيعوها ، وحد حدودا فلا تعتدوها ، وحرم أشياء فلا تقربوها ، وترك أشياء رحمة لكم فلا تبحثوا عنها" وفي رواية " رحمة بكم من غير نسيان فلا تسألوا عنها ".
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي يحتمل اختصاص هذا النهي بزمن النبي ، ويحتمل أن يكون النهي عاما بكل العصور ..
الحلال بيّن والحرام بيّن . وكثرة السؤال عن دقائق المشتبهات ، وصغائر الأمور وسفاسفها يدخل صاحبه في أصحاب الوسواس ومرضى النفوس ...
( وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ ).
لندن : 24/ شوال / 1441
16/ 6/ 2020
___________
*مدير مركز الشرق العربي